اختلف علماء النفس فيما بينهم في تعريف القلق، وتنوعت تفسيراتهم له، كما تباينت آراؤهم حول الوسائل التي يمكن استخدامها في العلاج و للتقليل من حدته ، وعلى الرغم من اختلاف علماء النفس حول هذه النقاط، إلا أنهم قد اتفقوا على أن القلق هو نقطة بداية بالنسبة للأمراض النفسية والعقلية، وفيما يلي ايك ابرز ما ذكره علماء النفس البارزين حول اضطراب القلق.
تعريف القلق عند علماء النفس
القلق عند دوارد و میلر:
عرض دولارد ومیلر نظريتهما الشخصية والعلاج النفسي” واستخدما مفاهيم خاصة بهما، فقد استفادة من مفهوم الدافع وأكدا على الدور الذي يقوم به خفض الدافع في عملية التعليم، والقلق ما هو إلا دافع عندما يزداد إلى حد معين يؤدي إلى تدهور في الأداء والعكس صحيح.
وعرفا القلق بأنه حالة غير سارة يعمل الفرد على تجنبها، ويعتبر القلق دافعة مكتسبة أو قابلا للاكتساب، ويحدث القلق نتيجة الصراع، والصراع قد يأخذ الكثير من الأشكال مثل صراع الإقدام، والإحجام، أو صراع الإقدام الإقدام، أو صراع الإحجام – الإحجام، إلا أن هذا الصراع يولد حالة من عدم الاتزان تؤدي إلى القلق ولا يكون هناك مفر من هذا الصراع حتى يعود الاتزان مرة أخرى .
القلق عند سيغموند فرويد :
عدل فرويد في كتابه الأخير (القلق) الذي نشر في فيينا عام 1926م نظريته في مفهوم القلق، فهو لم يعد يؤكد الخبرات التي تنتج عن صدمة الميلاد باعتبارها العوامل الوحيدة والأساسية للقلق، وإنما قرر بجانب ذلك وجود مواقف خطيرة تهدد الفرد في مراحل نموه المختلفة وقد ذكر أن في كل مرحلة من مراحل النمو توجد مثل هذه المواقف، فهناك مثلا خوف الطفل من فقدان حب أمه “عقدة أوديب”.
وهناك أخيرا الخطر الناشئ من تهديد الذات العليا (الضمير كالشعور بالذنب)، وكذلك ما يتعرض له الطفل من عوامل إحباطية تتصل بإشباع الدوافع الأولية، إذ قد يترتب على محاولات الطفل إشباع هذه الدوافع عقاب الوالدين، ويؤدي ذلك إلى الألم والشعور بالخوف، وهذا بدوره يؤدي إلى القلق إذا ما استثيرت هذه الدوافع .
القلق عند ماي:
القلق عند ماي هو توجس يصطحبه تهدید لبعض القيم التي يتمسك بها الفرد، وتعتقد أنها أساسية، وترى ماي أن للقلق أساسين هما: الاستعداد الفطري، والأحداث الخاصة التي تستحضر القلق عن طريق التعلم بأنواعه المختلفة، وأن استجابة القلق تكون سوية إذا كانت متناسبة مع الخطر الموضوعي.
والخوف عند ماي عبارة عن استجابة متعلمة لخطر محلي لا يشكل تهديدا للقيم الأساسية للفرد .
القلق عند ألفريد آدلر:
كان آدلر يؤمن بالتفاعل الدينامي بين الفرد والمجتمع، وهذا التفاعل يؤدي إلى نشأة القلق، ويرى أن الطفل يشعر عادة بضعف وعجز بالنسبة للكبار والبالغين بصفة عامة، وللتغلب على هذا العجز يسلك طريق السوية.
فالإنسان السوي يتغلب على شعوره بالنقص والقلق عن طريق تقوية الروابط الاجتماعية التي تربط الفرد بالآخرين المحيطين به، ويستطيع الفرد أن يعيش بدون أن يشعر بالقلق إذا حقق هذا الانتماء إلى المجتمع الذي يعيش فيه.
القلق من وجهة نظر کارین هورني:
تعتبر هورني أن الطبيعة البشرية قابلة للتغيير للأحسن طالما أنها تمتلك الصفات الايجابية وما دام هناك القدرة والرغبة في تنمية إمكانيات الفرد لأن يصبح إنسانا وديعا بعيدا عن التوتر والاضطراب في علاقته مع الآخرين، حيث أن الشخصية الإنسانية يمكن أن تتغير، وليس الطفل وحده هو المرن القابل للتغيير والتشكل بل جميعنا لدينا القدرة على التغير ما دمنا على قيد الحياة مدعمين بالخبرة والتجربة .
وتؤكد هورني إن كل فرد يملك بداخله إمكانيات إيجابية وكذلك أيضا في البيئة الاجتماعية التي توفر له الحب والعطف، يجد نفسه أمام فرصة لاكتشاف قيمته من خلال الآخرين وتقديرهم له في الوقت نفسه يحقق تقديره لذاته واحترامه لها، أم في حالة الاضطراب في تلك البيئة الاجتماعية وعدم توفيرها لتلك المطالب الأساسية له؛ فإنه يتعرض للقلق الذي تسميه “بالقلق الأساسي، والذي تعرفه بأنه: “الإحساس الذي ينتاب الطفل بعزلته وقلة حيلته في عالم يحفل بإمكانيات العداوة“. إن العوامل السلبية الموجودة في البيئة التي يعيش فيها الطفل هي التي تؤدي به إلى الشعور بعدم الأمان، ومن أمثلة تلك العوامل: عدم احترام حاجات الطفل، الافتقار إلى التوجيه الحقيقي، الاتجاهات المتضاربة في المعاملة، الإهمال، اللامبالاة، والجو المعادي وما إلى ذلك.
القلق عن هاري سوليفان:
يعتقد سوليفان أن شخصية الطفل تتكون من خلال التفاعل الدينامي مع البيئة المحيطة به، تربية الطفل وتعليمه تؤدي إلى إكسابه بعض العادات السلوكية التي يستحسنها الوالدان، والتي تستثير في نفس الطفل الرضا والطمأنينة.
ويرى سوليفان أن القلق هو حالة مؤلمة للغاية تنشأ من معاناة عدم الاستحسان في العلاقات البينشخصية، ويعتقد أن القلق حين يكون موجودة لدى الأم تنعكس آثاره في الوليد لأنه يستحث القلق من خلال الارتباط العاطفي بين الأم ووليدها.
ويذهب سوليفان إلى أن هدف الإنسان هو خفض حدة التوتر الذي يهدد أمنه ،وتنشأ التوترات من مصدرين: توترات ناشئة عن حاجات عضوية، وتوترات تنشأ عن مشاعر القلق، وخفض التوترات الناشئة عن القلق يعتبر من العمليات الهامة في نظرية سوليفان والتي اطلق عليها مبدأ القلق”، والقلق في نظر سوليفان هو أحد المحركات الأولية في حياة الفرد .
القلق عند مورر:
تعتد نظرية مورر على المنهج السلوكي كأساس لتعلم واكتساب دافع سلوك القلق؛ وذلك تحت ظروف معينة وقد عرف القلق بأنه “رد فعل شرطي لمنبه مؤلم، قد يكون هذا المنبه من الداخل أو الخارج، فيثير توتر وتنبيه الأجهزة الجسم فيستجيب الإنسان بما يساعده على تخفيف هذا الشعور وتجنب الألم .
ويرى أن القلق العصابي له دور هام في نشأة العديد من الاضطرابات السلوكية، وأن القلق هو اللولب المحرك للعصاب، وذهب إلى القول بأن أعراض العصاب ما هي إلا سلوك دفاعي لتخفيف القلق، وإذ يرى بأن الإنسان يرتكب بعض الأفعال الغير مرغوب فيها التي لا يرضى عنها الناس فيحاول إخفاؤها ولكنه يدرك بأن أمره سيكشف يوما فيشعر عند ذلك بالقلق وتأنيب الضمير، وإن الشخص العصابي يسلك عادة سلوكا غير مقبول اجتماعية ولذلك فهو يسعى إلى إشباع رغباته وبالتالي يعمل على إيذاء غيره وهو أيضا لا يتقيد بتقاليد أو قيم مجتمعه، كما أن يفشل في كبت شهواته التي لا يرضى عنها، لذلك يشعر بالضيق والقلق والذنب .
وتخلص نظرية مورر للقلق إلى أن الإنسان يرتكب بعض الأفعال المحرمة أو الممنوعة ويخفي أخطاؤه عن الناس ويتكرر ارتكابه لها ولا يكشف عن حقيقة أمره للآخرين، ولكنه يدرك في الوقت نفسه أنه مهما أنكر فلا بد أن يكتشف أمره يوما ما، ويعرفون أن قد غشهم وخدعهم فيشعر بالقلق.
القلق عند كارل يونج:
يعتقد يونج أن القلق عبارة عن رد فعل يقوم به الفرد حينما تغزو عقله قوی وخیالات غير معقولة صادرة عن اللاشعور الجمعي، واللاشعور الجمعي من السمات المميزة لنظرية يونج ،ففيه تختزن الخبرات الماضية المتراكمة عبر الأجيال. فالقلق هو خوف من سيطرة اللاشعور الجمعي غير المعقولة التي ما زالت باقية فيه من حياة الإنسان البدائية، كما يعتقد أن الإنسان يهتم عادة بتنظيم حياته على أسس معقولة منظمة وأن ظهور المادة غير المعقولة من اللاشعور الجمعي يعتبر تهديدا لوجوده.
وفي موضوع ذات صلة تعرف على مراحل القلق
المرجع:
منيا سميح مصطفى حماد . القلق و ضغوط الحياة لدى زوجات دوات الاجهاض المتكرر . رسالة ماجستير في الارشاد النفسي 2012