تعتبر عملية التشخيص عملية دينامية و ليست بمرحلة أولية منتهية بانتهاء تكوين المعلومات و المعارف ،بل هي فعل ختامي تتكامل فيه التشخيصات الجزئية في بناء وحدة متكاملة تصور واقع الفرد واقع الفرد و جوانب.
القوة و الضعف لديه ،والتي تحدد على أساسها الخطط العلاجية و التقويمية الملائمة التي تنفذ مع الفرد لمساعدته على تجاوز مشكلته ،والتشخيص النفسي هو موضع اهتمام تخصصات علمية وتطبيقية متعددة تشمل علم النفس المرضي و الإكلينيكي و الطب النفسي و الإرشاد و العلاج النفسي و الخدمة الاجتماعية و التأهيل و التربية و غيرها ،حيث سنتطرق فيما يلي الى التشخيص في علم النفس المرضي.
تعريف التشخيص النفسي
التشخيص النفسي هو محور النجاح في الإجراءات الإكلينيكية الموالية ،و كلمة “تشخيص نفسي” (كلمة إغريقية) تعني تصور تحديد فهم لمشكلة من المشكلات ،حيث تشتمل على الملاحظة و التصنيف و التحليل الديناميكي لأنشطة الحياة المختلفة الاجتماعية و النفسية و البيئية.
هذا الفهم يتيح للأخصائي الحكم السليم و التشخيص في ميدان تخصصه ، والعمل وفقه يحقق عدة أمور منها التنبؤ بالمسار المحتمل للاضطراب، و تقييم درجة الخلل الوظيفي حيث يتمكن من تحديد العوامل المرضية.( ألعبيدي،2009، ص86).
يعرف التشخيص النفسي كذلك على أنه :”الفهم الكامل الذي يتم على خطوات اكتشاف مظهر أو شكوى أو تحديد جوانب نمو الشخص أو سلوكا ته سواء كانت نواحي عجز و قصور أو نواحي ايجابي لتقديم العلاج و التنمية،و يتطلب خطوات تبدأ بالملاحظة و الوصف و تحديد الأساليب و تسجيل الخصائص و المحددات وذلك للإلمام بجوانب العجز و مستواه ،و علاقته بغيره من مظاهر العجز الأخرى”(سليمان،1998،سيكولوجية ،ص6)
التشخيص النفسي هو العملية التي يتم من خلالها جمع بيانات حول الحالة تسمح بتحديد المشكلة أو الاضطراب أو المرض،أو الصعوبة التي يعاني منها الفرد ودرجة حدتها ،ومن تم وضع الخطط العلاجية الملائمة و تنفيذها.
أهداف التشخيص النفسي:
للتشخيص هدفين أساسيين:
هدف علمي معرفي :
الحصول على المعلومات و البيانات الغزيرة هو ليس هدفا رئيسيا عملية التشخيص النفسي في حد ذاته ،و لكن الذي يبحث عنه الأخصائي الإكلينيكي هو المعنى و الدلالة التي تنطوي عليها البيانات و المعلومات التي يجمعها عن العميل ،الا أن غزارة البيانات التي يجمعها الأخصائي تكون مفيدة عندما يخضعها لمعالجته التي يستنبط منها تشخيصه ،والعملية التشخيصية تبدأ من الكثرة (كثرة البيانات و المعلومات)لا كهدف في حد ذاته ،و إنما كنوع من الضمان العلمي لتغطية كافة جوانب الشخصية المطلوب تغطيتها ،و ينتهي الأمر باستنباط الدلالة و المعنى الذي تنطوي عليه كثرة البيانات في أقل كم ممكن من التشخيصات التفسيرية ،والهدف الذي يسعى لتحقيقه الأخصائي الإكلينيكي هو رسم الصورة الإكلينيكية النهائية للشخصية.( فوزي سعيد،2000،ص50).
الهدف التطبيقي :
و نعني به العمل على وضع إستراتيجية عامة تتضمن خططا قابلة للتنفيذ الفعلي مع الحالة التي يتعامل معها الأخصائي الإكلينيكي،و كلما استطاع الأخصائي تحقيق الهدف الأول بأكبر قدر من الدقة و الثراء كانت الخطة التي يرسمها أكثر قابلية للتنفيذ مع الحالة المعنية، وكانت فرص نجاحها و فاعليتها أكبر ،وتتضمن الخطة اقتراح تغييرات تتراوح بين التعديلات البسيطة في بيئة العميل أو توجيه بعض النصائح لأفراد أسرته ،أو التوصية بإلحاق العميل بإحدى المؤسسات التي تقدم برامج مفيدة للحالة الخاصة به ،أو حتى التوصية ببرنامج علاجي مكثف يقتضي العزل في مصحة أو دار علاج متخصصة ،و إذا لاحظنا تغيرات على شخصية العميل ايجابية تعد بمثابة مؤشر دال على تقدم الحالة و استفادة العميل من البرنامج الذي وجه إليه.(مرجع سابق،ص50)
أنواع التشخيص النفسي :
التشخيص التصنيفي :
يعتبر من أبسط أنواع التشخيص حيث يقتصر النفساني أو الطبيب النفسي على تحديد نوعية المرض أو المشكلة أو الاضطراب و تسميته و تصنيفه وفق نظام تصنيفي متعارف عليه.ولا يمكن الحديث عن التشخيص التصنيفي دون وجود قائمة متفق عليها بأسماء أمراض مثل :التصنيف العالمي للأمراض، والدليل التشخيصي و الإحصائي الرابع للاضطرابات العقلية و النفسية. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى ضرورة وجود دليل لتصنيف الأمراض الخاص بالدول العربية.
التشخيص الوظيفي :
لا يقتصر على وصف حالة المريض و إدراجه في فئة إكلينيكية تصنيفية فقط ،بل هو عملية الفهم النفسي العميق لإمكانات الفرد و قدراته و جميع جوانب شخصيته. و هو في شقه الدينامي العملية التي تمكن النفساني من الكشف عن مواطن الصراع في الشخصية و درجة القلق و القدرة الحالية للفرد و احتمالات تعرضه للتدهور أو النمو،و الأساليب الدفاعية التي يتخذها الفرد في مواقف معينة ليخفف بها عن آلامه ،أما في شقه السلوكي فهو يعني عملية جمع المعلومات بشكل شمولي للتعرف على مسببات المرض و الاضطرابات و المشاكل و المعاناة ومصادرها ومن تم التدخل للتعامل معها.
أما ما يميز هذا النوع من التشخيص عن التشخيص التصنيفي أنه يمكن من التعرف على مسببات المرض أو المشكلات السلوكية و تعريفها بطريقة وظيفية و تحليل المعلومات التي تم جمعها من المصادر المختلفة للتعرف على السلوكيات التي تسبق ظهور المرض أو المشكلة السلوكية وكيفية بدايتها وكذلك التعرف على السلوكيات اللاحقة للمشكلة.( فوزي ،1992،ص ص 64،67)
التشخيص الفارقي :
حتى يتم تشخيص تام ودقيق لابد من دراسة المرض و أعراضه ، وتمييزه بدقة عن باقي الأمراض و الأعراض التي تشابهه ،فنتحدث مثلا عن التشخيص الفارقي للتوحد ،عن التخلف العقلي و متلازمة أسبر جر ،وهي إحدى المتلازمات التي تتسم بوجود صفات و سلوكيات قريبة من الطفل المصاب بالتوحد ولكن بدرجة خفيفة ،أي بدون تأخر في النمو العقلي و المهاري بشكل ملحوظ ،و لكن يمكن أن يتأثر بشكل غير ظاهر فيحدث خلط بينها و بين التوحد.
فمن الهام في التشخيص الفار قي في هذه الحالة الفصل بين متلازمة أسبرجر و التوحد حيث يبحث النفساني عن الجوانب التالية :
– الفروق اللغوية إذ أن طفل الاسبرجر يعاني من تأخر لغوي.
– الأعراض الفصامية ففي اضطراب الاسبرجر لا يمكن تصنيفه مع الفصام كما هو التوحد ،و ان لم نستبعد ظهور الأعراض الفصامية لدى طفل الاسبرجر و لكن في بداية البلوغ.
-القدرة على التعلم و العلاقات الاجتماعية ،فمعظم أطفال الاسبرجر يمكن أن يتعلموا في أقسام العاديين ،بالرغم من أنه تظهر لديهم بعض المشكلات في العلاقات الاجتماعية أو المشكلات ذات الطبيعة الانفعالية ،بينما طفل التوحد قد لا يستطيع ذلك. فالتشخيص الفارقي يمكن أن يكون نوعا من أنواع التشخيص التصنيفي أو التشخيص الوظيفي.(عبد الحميد و الكفافي ،1999 ،ص961)
المقومات الأساسية للتشخيص النفسي :
تحقيقا لأهداف التشخيص في اختيار نوع التدخل أو العلاج المناسب لكل حالة فثمة مقومات أساسية للتشخيص هي :
الفهم :
و هو القدرة على إدراك علاقات الفرد بالأخر و المعاني التي يقصدها ،و محتوى سلوكه و أفعاله وتكوينه ،و لا يتوقف فهم العميل أو المريض على إدراك حقائق الموقف و إنما يتوقف الفهم على قدرة الأخصائي على أن يشعر بشعور العميل ،ويحس بخبراته من وجهة نظره،فكأن الفهم يتوقف على القدرة على الإحساس بشعور الآخر و القدرة على وصف أفكاره ومشاعره.
ويعني لك قدرة الأخصائي على الدخول في دنيا العميل و رؤيته من الداخل ،كما يراها العميل نفسه ،إذ يجب على الأخصائي أن يحس بمخاوف العميل و غضبه و اضطرابه ،وكأن هذه المشاعر مشاعره هو نفسه ،و لكن دون أن يغضب أو يخاف أو يضطرب ،فإذا اتضحت للأخصائي دون العميل ،و تمكن من التحرك فيها بكل حرية تمكن من التعبير عن معاني خبرات العميل.
بمعنى آخر يعني الفهم القدرة على إدراك الإطار المرجعي للشخص الآخر بدقة ،و الشرط الضروري الذي يجب مراعاته ،هو أن يرى الأخصائي دنيا الشخص الآخر و كأنها دنياه ، والتأكيد هنا على كلمة “وكأنها” ،و إلا تحولت العملية إلى عملية تقمص لا عملية فهم. و حتى يستطيع الأخصائي فهم العميل لابد من إجراء فحص دقيق لشخصيته، وهدف الفحص هو فهم شخصية العميل ديناميا ووظيفيا ، والوقوف على نواحي قوته و ضعفه و تحديد اضطرابات الشخصية التي تؤثر على سعادته و هنائه و كفايته ، و توافقه النفسي و الاجتماعي ، وعلاقته بالآخرين و فهم حياته الحاضرة و الماضية و علاقتهما بمشكلاته و مرضه.
و يتضمن الفحص جمع المعلومات من مصادر مختلفة،مثل المحيطين بالعميل أو المريض ،واستخدام وسائل متعددة كالملاحظة و المقابلة و تطبيق الاختبارات النفسية و الرجوع إلى السيرة الشخصية للعميل و السجلات الخاصة به ،و تقارير الأخصائي الاجتماعي و الطبيب. و يقول بعض الباحثين أن التشخيص يكون على مرحلتين:
أولهما : وصف المعلومات التي نحصل عليها أثناء عملية الفحص.
و ثانيهما :تفسير هذه المعلومات و فهمها.
و تكون عملية التفسير في التشخيص عن طريق فرض عدد من الفروض المتعلقة بالأسباب ،و محاولة إثبات كل منها أو استبعاده،ويدخل في عملية التفسير الاستناد إلى نظرية أو أكثر من نظريات الشخصية و العلاج النفسي مثل :التحليل النفسي،أو النظرية السلوكية أو المعرفية و غيرها.
التصنيف :
هو وضع العميل في فئة معينة من الاضطرابات تجمع بينهما خصائص مشتركة ،أي أن التصنيف هو تحديد وضع العميل لباقي الأمراض.
و تعد الأعراض التي تظهر لدى العميل خصائص ذاتية أو موضوعية ،حيث شغل تصنيف الأعراض اهتمام الباحثين لكي يصلوا إلى تصنيف يمكن أن يزود الأخصائيين بوسائل ناجعة لتحديد الأنماط المختلفة من الاضطرابات و كذا الأسباب الدالة و العلاج المناسب لكل اضطراب. و قد ظهرت تصنيفات متعددة للأمراض و الاضطرابات النفسية ، و يشترط في فئات كل تصنيف أن تكون كل فئة مستقلة عن الأخرى ، وأن تتصف بالموضوعية و تظهر الأعراض في كل فئة كزمرات وأن تشتق الفئات من مصادر متعددة المعلومات.
التنبؤ:
يتضمن “المآل” أي التنبؤ بما سيحدث ،ما سيكون عليه المرض في المستقبل ،و يهدف التنبؤ إلى تقدير احتمالات تطور المرض أو المشكلة ومدى الاستجابة لعلاج معين ،أي أن عملية التنبؤ أو تحديد المآل تهدف إلى توجيه و تحسين عملية العلاج في ضوء ما هو متوقع و تحديد أنسب طرق العلاج لتحقيق أكبر قدر من النجاح و تحديد حد مرن للنجاح يساعد في تقييم عملية العلاج.
وثمة مجموعة من العوامل تجعل التنبؤ أفضل ،منها : طلب العلاج مبكرا عند بدء ظهور الأعراض ،و دون تأخير ،فإذا كان التشخيص دقيقا و بدأ العلاج مبكرا ،و لم يحدث تدهور في الشخصية عندها تكون بصير العميل أفضل.
و يعتمد التنبؤ على المعلومات المتوافرة عن العميل مثل حالته الجسمية و العقلية و ذكائه و تعليمه وعمره ، وعلى بيئة المريض و درجة تعاونها و الظروف التي حدث فيها الاضطراب، و قوة دافعه للعلاج و قدرته على المواءمة لمواجهة المواقف الجديدة في الحياة. (الخطيب و الطراونة ،2002،ص34،35)
مراحل التشخيص النفسي:
مرحلة التقويم :
وهي تلك المرحلة التي تبنى فيها العلاقة بين الأخصائي و بين العميل ،و تعد حجر الزاوية في فاعلية التشخيص و العلاج النفسي،و في هذه المرحلة يستكشف الأخصائي القدرة العامة لدى العميل و القدرات الخاصة بالاعتماد على خبراته السابقة و على استخدام مجموعة من الاختبارات و المقاييس النفسية الملائمة…اختبارات الذكاء ،اختبارات القدرات ،وقوائم الملاحظة و السجلات و البطاقات التراكمية ،و عليه أن يسجل البيانات التي يحصل عليها أولا بأول و بطريقة مقننة تيسر عليه التعامل مع هذه البيانات في الخطوة اللاحقة.
مرحلة دراسة بناء الشخصية:
وهنا يتقدم الأخصائي خطوة اتجاه جوانب أكثر عمقا في الشخصية و يغطي بيانات على درجة أكبر من الصعوبة ،من حيث إمكانية الحصول عليها و اكتشاف معناها ودلالاتها..،ولا تتضمن هذه المرحلة الكشف عن الخصائص و مميزات الشخصية وعن نقاط القوة والضعف فيها و حسب ،وإنما يتعدى ذلك إلى تفسير الكيفية التي يوظف بها الإنسان هذه الخصائص الموجودة بالقوة ليحولها إلى خصائص موجودة بالفعل، وهذا يقتضي من الأخصائي العمل على إلقاء الضوء على العوامل التي تؤدي إلى تحسين أو إعاقة الأداء النفسي و الاجتماعي لدى العميل و يجب أيضا الكشف عن الظروف التي تزدهر في ظلها إمكانات العميل و الظروف التي تتعطل فيها إمكاناته أو تتعاظم فيها أعراضه أو مشكلاته المرضية ،و يعتمد الأخصائي على وسائل قياس غير مباشرة من أهمها الاستبيانات ووسائل التقدير الذاتي و اختبارات الشخصية و دراسة تاريخ الحالة.
مرحلة تحليل و معالجة البيانات و استنباط النتائج :
فالمعلومات المتوفرة حتى الان تحتاج الى تنظيم وتنسيق يكشف الدلالة و المعنى وراء المسالك الجزئية الظاهرة تحتاج الى ذلك الفعل الختامي الذي يكشف العلاقة بين المقدمات و النتائج ..بين العوامل و المتغيرات المستقلة و المحصلة النهائية (الصورة الإكلينيكية الكلية لشخصية العميل).( فوزي سعيد ،ص52).
إعداد البحث:
اغمين نديرة (أستاذة محاضرة) دكتوراه+تأهيل جامعي.
جوايبية مريم(استاذة مؤقتة) طالبة دكتوراه.
قائمة المصادر و المراجع:
1- العبيدي،محمد جاسم(2009):علم النفس الاكلينيكي،عمان ،دار الثقافة للنشر و التوزيع.
2- سليمان ،عبد الرحمان(1998): سيكولوجية ذوي الاحتياجات الخاصة،أساليب التعرف والتشخيص،القاهرة ،مكتبة زهراء الشرق.
3- ايمان فوزي سعيد(2000) :التشخيص النفسي ،كلية عين شمس.
4- الخطيب ،أحمد و الطراونة، حسين (2002) :القياس و التشخيص في التربية الخاصة،عمان،دار الصفاء.
و في مرجع دات صلة، اليك كتاب dsm 5 للتشخيص الفارقي